الأربعاء، 26 أبريل 2023

إجراءات نظر دعاوى قسمة التركات

إجراءات نظر دعاوى قسمة التركات 


                  
الاجراءات المقترحة لنظر دعاوى القسمة

✒️ القاضي مازن أمين الشيباني

تناولنا ضمن هذه السلسلة جزأين سابقين تضمنوا ثلاثة محاور بإمكان القارئ العودة اليها 

 وفي هذا الجزء نقدم الإجراءات المقترحة التي ينبغي تقنينها في التشريعات اليمنية كإجراءات تنظم نظر دعاوى القسمة وذلك في المحور الرابع، وهذا المحور نقدمه كالتالي

المحور الرابع: الإجراءات المقترحة لنظر دعاوى القسمة أمام القضاء اليمني:


الأصل أن تتم القسمة بين الورثة طواعية وباختيارهم ودون تدخل من القضاء طالما لم يوجد بين الورثة قاصر أو ناقص أهلية أو فاقدها أو غائب لا وكيل له، وطالما توافرت في القسمة شروطها الشرعية والقانونية، ولكن قد يمتنع بعض الورثة عن اجراء القسمة الاختيارية فيضطر بقية الورثة الى رفع دعوى قسمة مخلف المورث أمام القضاء، أو قد يكون الورثة مضطرون لرفع الدعوى بسبب وجود قاصر بين الورثة أو فاقد أهلية أو غائب لا وكيل له، وفي هذه الحالة تواجه دعاوى القسمة بإجراءات شكلية تشكل مشكلة حقيقية تطيل من أمد الفصل فيها وتشكل عائق يجعل مهمة إيصال كل وارث الى نصيبه مسألة صعبة ومستحيلة أحياناً، فإذا تم إيجاد المعالجات والحلول لهذه الإشكالات الشكلية تم حل نصف المشكلة، لذلك علينا أن نعرف أين تكمن المشكلة وما سببها ثم بعد ذلك نضع الحلول والمعالجات لمسببات المشكلة، لذلك سنستعرض أولاً أهم المشاكل والعوائق الشكلية التي تواجه بها دعوى القسمة ثم بعد ذلك نضع مقترحنا لمعالجتها والذي حتى وان ظهر لبعض الزملاء أنه اقتراح قاصر أو شاذ فإنه يظل قابلاً للنقد والتعديل والتطوير

أولاً: العوائق الشكلية التي تواجه دعوى القسمة:

إن أهم المشاكل الشكلية التي تواجه دعاوى القسمة هي:

-معضلة جهالة الدعوى من حيث عدم تقديم حصر واضح للتركة والحائزون لها، فكثير من الورثة يستعصي عليه أحياناً معرفة جميع ما خلفه المورث، خصوصاً اذا كان بعض الورثة غائباً مغتربا أو قاصراً وعاد أو بلغ الحلم بعد سنوات لا يعرف ما خلفه المورث من نقود ولا منقولات ولا حتى عقارات ويتعمد بقية الورثة إخفاء أي معلومات عنهم، فقد يعرف اسم قطعة من التركة ولكنه لا يعرف أين موقعها ولا واضع اليد عليها، فيتقدم هؤلاء الورثة بدعوى قسمة تفتقر الى أبسط المعلومات الضرورية، يوردون أسماء عقارات لا يعرفون مواقعها ولا حدودها أحيانا،  وهذه المشكلة تجعل الدعوى موصومة بالجهالة وتستغرق  المحكمة وقتا طويلا في استيفاء المعلومات وإزالة الجهالة قد تصل أحيانا الى أن تظل المحكمة تعقد جلسات لأكثر من سنة قبل أن تخوض في الموضوع.

- معضلة اختصام بعض الورثة دون البعض الآخر:


ليس جميع الناس يفهمون بإجراءات التقاضي وشروط قبول الدعاوى، ففي بعض المحاكم في اليمن تقدم عريضة من بضعة أسطر لا تتوفر فيها أبسط شروط الدعاوى ومع ذلك يتم قيدها والسير باجراءات نظرها، والناس يظنون أن دعوى القسمة لا يختصم فيها الا من هو مغتصب للتركة من الورثة، فيرفع من يريد حصته من التركة دعواه ضد أحد الورثة فقط باعتباره مغتصب للتركة ويترك باقي الورثة على حد من القول ((كل واحد يحج عن فرضه))

 فتضطر المحكمة الى أن تقوم بمعرفة باقي الورثة ومعرفة محل إقامتهم وتقرر ادخالهم في الدعوى واعلانهم وهذه الإجراءات  تستغرق وقتاً طويلاً أمام المحكمة.

- معضلة عدم بيان التسلسل الوراثي بصورة تحدد نصيب كل واحد من الورثة:

أحياناً قد يكون المورث المطلوب قسمة تركته هو الجد الثاني أو الثالث أو أبعد من ذلك، وربما مضى على وفاته أكثر من مائة عام، وخلف عدداً من الأبناء الذين قد توفوا من بعده وخلفوا بدورهم ورثة آخرين، وحين يقدم المدعي دعواه يسرد التسلسل الوراثي ولا يكون بمقدور المحكمة معرفة نصيب كل شخص من الورثة الأحياء الذين يشكلون أطراف الخصومة امامها الا بتمحيص وتدقيق وتفرغ تام لدراسة الملف وتنزيل أنصباء الورثة وفقاً للفريضة الشرعية، وهذه مشكلة أخرى تأخذ من وقت المحكمة وجهدها الشيء الكثير.

هذه هي أهم العوائق الشكلية التي تؤخر الفصل في دعاوى قسمة التركات، ونحن هنا لم نورد جميع المشاكل وانما أهمها من وجهة نظرنا المتواضعة وقد رأينا اقتراح إجراءات تنظم آلية محددة للفصل في دعاوى قسمة التركات وفق الاقتراح التالي:

الإقتراحات والمعالجات:
انطلاقاً من المشاكل والمعضلات التي ذكرناها آنفاً اقترحنا أن يتضمن قانون التوثيق خصوصا ألية تنظم إجراءات دعاوى القسمة في مرحلتين وفق الإجراءات التالية:

1️⃣المرحلة الأولى: مرحلة فحص الدعوى وتجهيزها من قبل قلم توثيق المحكمة المختصة:


نقترح في أي دعوى قسمة يتم تقديمها أمام المحكمة أن تسن لها نصوص تنظم اتباع الإجراءات التالية:

1- تأشير الدعوى من قبل رئيس المحكمة بعرضها على قلم توثيق المحكمة للفحص والدراسة فيتم فحص الدعاوى المتعلقة بقسمة التركات ابتداءً من قبل رؤساء أقلام التوثيق في المحاكم الابتدائية للتحقق من مدى توافر كافة الشروط اللازمة للدعوى، وهو ما يعني أن يتولى رئيس قلم توثيق المحكمة وموظفي قلم التوثيق ضمن مهامهم فحص دعاوى القسمة التي ترفع الى المحاكم، فبدلاً من أن تحال الدعوى الى قلم الكتاب لقيدها يكون الأمر بطريقة مختلفة وهو أن يؤشر رئيس المحكمة  على الدعوى بالعرض على رئيس قلم توثيق المحكمة باعتباره موظفاً متخصصاً ولديه إمكانيات وقدرات كبيرة والمام وخبرة  في أجراءات القسمة وشروطها وامور المواريث، ويتولى رئيس قلم توثيق المحكمة وموظفيه التحقق من المسائل التالية:

- اكتمال البيانات والشروط اللازمة لدعوى القسمة كأي دعوى أخرى وبيان التركة بيانا كافياً ودقيقاً، وفي حال كانت البيانات ناقصة فيتم استيفائها لدى قلم التوثيق قبل أن تحال دعوى القسمة الى القاضي المختص.

- يتولى التحقق من أن جميع الورثة المستحقين للإرث مختصمين في الدعوى مدعين أو مدعى عليهم والتحقق من عدم وجود أي ورثة آخرين لم ترد أسمائهم بالدعوى 

- التحقق من أن احكام انحصار الوراثة اللازمة على المدعي مرفقة بالدعوى.

- اعلان الورثة المدعى عليهم اعلانا صحيحاً واستدعائهم الى قلم توثيق المحكمة قبل عرض الدعوى على القاضي المختص.

- السعي لإقناع الورثة بالقسمة الرضائية قبل إحالة ملف القضية الى المحكمة.

- بموجب السلطة الرقابية والاشرافية لأقلام التوثيق على الأمناء الشرعيين يتولى رئيس قلم التوثيق التخاطب مع الأمناء الشرعيين لموافاته بأي معلومات أو بيانات أو مستندات تتعلق بتركة شخص متوفي ضمن نطاق اختصاصهم المكاني.

- استلام كافة الوثائق والمحررات المتعلقة بالتركة والمرافعات والدفوع من جميع الورثة وايداعها ملف القضية

- معرفة الأمور المتفق عليها بين جميع الورثة وعمل اتفاقات حاسمة بشأنها بين الورثة ومعرفة المواضع والمسائل المختلف فيها والمتنازع عليها بين الورثة في حال تعثرت مساعي تسويتها وديا.

- تقديم طلبات الإذن بالتنصيب عن القاصرين والمفقودين وفاقدي الأهلية والمتمردين عن اجراء القسمة الى القاضي المختص

- القيام بأخذ إذن من القاضي المختص بسداد ديون التركة وتنفيذ الوصايا المتفق عليها وتكليف الأمين الشرعي المختص بالبدء بقسمة الأموال المتفق عليها والتنصيب على من لم يحضر من الورثة بعد ثبوت اعلانه.

- ويكون آخر اجراء هو اعداد مذكرة برأي رئيس قلم التوثيق تتضمن الآتي:

(أ‌) بيان موجز بالإجراءات المتخذة.
(ب‌) بيان موجز بطلبات الخصوم ودفوعهم 
(ت‌) تحديد كافة المسائل المتفق عليها بين الورثة.
(ث‌) تحديد كافة مسائل المتنازع عليها بين الورثة.
(ج‌)      بيان المستندات المودعة لدى قلم التوثيق.
(ح‌)     اقتراح آلية لاجراء القسمة في الجزء المتفق عليه بين الورثة.
(خ)    المطالبة من القاضي باعتماد اي اجراءات سابقة تمت لدى قلم التوثيق

- يتم التنسيق مع القاضي المختص على موعد للجلسة ويقوم قلم توثيق المحكمة بإحالة ملف الدعوى الى القاضي المختص قبل موعد الجلسة بمدة لا تقل عن أسبوع ويتم تحديد موعد جلسة وإعلان الورثة عبر قلم التوثيق لحضور الخصوم أمام القاضي.

2️⃣المرحلة الثانية: مرحلة نظر الدعوى لدى قاضي الأحوال الشخصية بالمحكمة

في هذه المرحلة تكون الدعوى شبه مكتملة وطلبات الخصوم ومنازعاتهم ودفوعهم واضحة والمسائل المتفق والمتنازع عليها واضحة وهنا نفرق بين صورتين:

👈🏼الصورة الأولى أن يكون القاضي قد سبق له وأعطى اذن باجراء قسمة الأموال المتفق عليها فلا يبقى أمامه سوى المسائل المتنازع عليها فقط دون ان يهدر وقته وجهده في دراسة كافة المسائل 
لا يكون امامه غير المسائل المتنازع فيها فقط لا غير
 والذي يتعين عليه الفصل فيها، ونقترح أن تكون الجلسة المحددة هنا للخصوم هي جلسة لمناقشتهم واستفصالهم على ما سبق وأن تقدموا به أمام قلم التوثيق ومواجهة الخصوم بالأدلة او الدفوع التي يراها القاضي جوهرية ثم يقرر الفصل فيها على وجه السرعة ويصدر حكمه الذي يتضمن الحكم بالاتي 
-اعتماد الإجراءات السابقة التي قام بها قلم التوثيق 
-حسم المسائل المتنازع عليها التي عرضت عليه  
-احالة ملف القضية الى قلم التوثيق لاستكمال القسمة وفقاً لحكم المحكمة 
وفي هذه الحالة نرى ان تسن نصوصا تجعل الحكم غير قابل للطعن الا بعد استكمال القسمة وتحرير الفصول من قبل الأمين المكلف، ولا يتم المصادقة على الفصول الا بعد أن يصبح الحكم نهائي وتبدأ مدة الطعن بالحكم من تاريخ إيداع الأمين المكلف للفصول قلم توثيق المحكمة وإعلان الورثة بالإيداع.

👈🏼الصورة الثانية أن يكون القاضي لم يصدر اذنه بعد بقسمة أي أموال متفق عليها، وقد عرضت القضية برمتها على القاضي للفصل فيها، وفي هذه الصورة كذلك يكون دور المحكمة محصوراً بمواجهة الخصوم ومناقشتهم بما تم سابقاً لدى قلم توثيق المحكمة ومواجهتهم بالدفوع والأدلة التي يراها القاضي جوهرية واستفصالهم عن أي مسائل غامضة دون أن يكون لهم الحق بتقديم أي مرافعات او دفوع جديدة، وفي هذه الصورة نفضل أن يكون قلم التوثيق طرفاً مدخلاً في الخصومة يتولى القاضي إدخاله لسماع أقواله لمصلحة العدالة وبيان اسباب تعذر القسمة،  
ثم يقرر القاضي حجز القضية لاصدار حكمه وعليه أن يفصل فيها خلال مدة محددة ويتضمن الحكم نفسه إعادة ملف القضية لقلم توثيق المحكمة لتكليف أمين المنطقة بإجراء القسمة وفق ما تضمنه الحكم، على أن يتضمن القانون نصاً أن مثل هذا الحكم تبدأ مدة الطعن فيه من تاريخ إيداع الفصول لدى قلم توثيق المحكمة ولا تصبح الفصول نهائية الا تبعياً لصيرورة الحكم نهائي

❇️ تحديد اختصاصات القاضي:-
في الإجراءات المقترحة يكون للقاضي اختصاصات محددة يتولاها وهي:

1- اصدار الإذن بالقسمة وبسداد الديون وتنفيذ الوصايا المتعلقة بالتركة لقلم التوثيق بناء على طلب قلم التوثيق.

2- تعيين الممثلين للقصار والغائبين والمفقودين بناءً على عرض من قلم التوثيق.

3- اصدار القرارات في المسائل الإجرائية التي تعترض إجراءات القسمة بناء على عرض قلم التوثيق كذلك.

4- اعتماد إجراءات القسمة التي تمت بناء على اذن صادر منه.

5- حسم المسائل المتنازع عليها بحكم.

6- المصادقة على إجراءات قلم التوثيق النهائية.

❇️ حالات الدفع بسبق القسمة:
قد يقدم بعض الورثة دفوعاً بسبق القسمة 
فنرى انه يكون لازماً عليه تقديم هذه الدفوع ومستنداتها أمام قلم التوثيق قبل إحالة ملف القضية الى القاضي المختص، وعلى قلم التوثيق بهذه الحالة استكمال جميع الإجراءات المتعلقة بالدفع ومستنداته والرد عليها ثم يقوم بإحالة الملف الى القاضي مع رأيه بالقسمة السابقة من حيث صحتها وبطلانها وشموليتها للتركة المدعى بها 
ويتم تحديد موعد جلسة للخصوم وعلى القاضي أن يعقد جلسة مرافعة قبل الفصل في الدفع، 
ثم يقرر الفصل في الدفع اما بقبول الدفع أو رفضه واذا قرر رفض الدفع أعاد ملف القضية الى قلم التوثيق للقيام باستكمال الإجراءات وفق القرار الصادر منه،  ويجب أن يتضمن القانون نصاً يمنع الطعن بالحكم الا بعد اكتمال الإجراءات أمام قلم التوثيق وفق ما حدده الحكم.
اما الحكم بقبول الدفع فيجعل القضية منتهية ويكون الحكم بذلك قابلا للطعن فور صدوره.
-----------------------------------------

هذا هو جوهر الاقتراح الذي نرى على المشرع اتباعه وسن النصوص التي تنظمه وإدخال ما يرى من تعديل وتطوير عليه حتى تستقيم الإجراءات التي ينبغي اتباعها في نظر دعاوى القسمة والفصل فيها.

دمتم برعاية الله
✒️القاضي مازن أمين الشيباني

هناك تعليق واحد:

  1. شرح مميز و واضح
    بس سالي هل يجوز الاستحداث في العقارات من المدعى عليهم أثناء نظر الدعوى أمام القضاء

    ردحذف